ياسين صالح ... يكشف سر إختطاف رزان زيتونة ورفاقها
مسعود محمد
Wednesday, 18-Dec-2013 00:19
ياسين الحاج صالح تلك «العملة النادرة»، مناضل من الزمن الجميل، رفض التخلّي عن مبادئه واقتناعاته، لم يكسره السجن ولا السجّان. تحدى النظام ومارس السياسة والنقد على طريقته، يرفض العمل ضمن القوالب الحجرية، تمرّد حتى على حزبه، وابتعد عن التنظيم، لأنّه لا يحب القيود.
هو لقاء الأحبة الأول بعد عامين من التواصل الإفتراضي عبر الشبكة العنكبوتية. بدأ اللقاء بحميمية، وكأننا نعرف بعضنا منذ زمن طويل.
سألته بحياء وتردد عن سبب عدم إصطحابه زوجته سميرة معه عندما قرر أن يخرج من سوريا، وما هي ظروف خروجه منها، فقال لي إنّه خرج بعدما اشتد الخطر عليه بضغط من زوجته سميرة الخليل المختطفة مع رزان زيتونة.
" كنا نعتقد أنا وسميرة وأصدقاءنا، إنّ خروجي من الغوطة من المستحيلات وصعب جداً، وخروج سميرة ممكن أن يتأمن من دون صعوبة كبيرة. وكنّا نقدر أنني معرّض للخطر على يد النظام، و"داعش" و"جبهة النصرة" بنسبة عالية. قال بإنفعال، سميرة التي كانت تساند عملي العام دائماً، بدأت لأول مرة تضغط علي بشكل يومي بعد وصولي إلى الرقة لأخرج من البلد".
كيف وصلت إلى الرقة؟
19 يوماً إستغرقت رحلتي للإنتقال من غوطة دمشق الى الرقة، ومن ثم تسللت منها الى خارج سوريا، وقضيت معظمها داخل صناديق السيارات في حر آب، منها 27 كلم خطر، كنت معرضاً فيها لخسارة حياتي في أي لحظة. خرجت من سوريا من دون أي أوراق ثبوتية تثبت شخصيتي، ورحلة الحصول على أوراق ثبوتية حكاية أخرى يجب أن تروى على حدة.
إذ يفترض بالمعارضة السورية وهيئاتها تأسيس مكتب لرعاية شؤون السوريين لإصدار وثائق تسهّل لهم حياتهم عندما يخرجون من الوطن، لأنّ النظام لا يزودنا بجوازات سفر وهو سيجردنا بمرسوم بطاقة الهوية الجديد حتى من جنسيتنا، لنصبح لاجئين بلا هوية تعرّف عنا، بذلك يتخلص من خمسة ملايين سوري غير موالين له بشخطة قلم. والمطلوب من المعارضة عدم التصرف مع السوريين بالمحسوبيات على طريقة النظام.
«جيش الإسلام»
حاول طوال الثلاث ساعات التي التقيته فيها التهرّب من الكلام عن موضوع خطف رزان وزوجته ورفيقيهما بسبب خيبته والألم الشديد، إلّا أنّه عاد ليخبرني "عندي قناعة أنّهم عند الإسلاميين، وأنا خائف على حياتهم، لأنّ المطلوب إسكات كل الأصوات العلمانية خارج الإصطفافات الطائفية في سوريا".
قلت له أن رئيس "المجلس الوطني السوري" جورج صبرا متخوّف من إمكان أن يكون النظام قد تسلل الى مناطق الثورة وخطفهم، أجاب" أنا أتهم "جيش الإسلام" وزعيمه زهران علوش باختطاف سميرة الخليل ورزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي في ليل 9 كانون أول الجاري، أو على الأقل بتسهيل أمر الإختطاف من قبل تابعين لهم.
أولاً، لا يمكن أن يجري شيء في دوما من دون أن يكون لجماعة علوش ضلع به، ولا يمكن لأي تشكيل عسكري آخر أن يتحدّاهم في عقر دراهم، إلّا بغض نظر منهم متفق عليه معهم. لن يقدم أحد على الإعتداء على أربعة أشخاص عُزّل، بينهم سيدتان، إلّا بضوء أخضر من قبل سلطة الأمر الواقع في دوما.
ثانياً، جماعة علوش وعدوا بالتحقيق بعملية الإختطاف، وحتى الساعة لم يعاينوا البيت/ المكتب، الذي يعمل فيه الأربعة، أو يجرون أي نوع من التحقيق.
ثالثاً، سبق لهذا التشكيل العسكري الذي لا يتعاون مع أحد في الغوطة، ويتوقع من الجميع العمل عنده وليس معه، أن هدّد رزان زيتونة قبل شهرين، وأطلقوا النار أمام بيتها بغرض الترويع والتطفيش.
هذه (وغيرها) قرائن ترجّح مسؤولية التشكيل المذكور، الذي لم يقم بعد 8 أيام على جريمة الإختطاف بأي مساعدة للكشف عن ملابسات عملية الخطف.
وبناء عليه، فإنّ هذا التشكيل هو المسؤول عن أمن السكان في دوما، وهو المتهم الأول بالجريمة، أو بالتستر على الجناة،وسأعمل ما أستطيع لتجريم قادته قانونياً.لا يجوز أن يفلت المجرمون من العقاب، سواء كانوا من طرف النظام الأسدي أو أية مجموعات تمارس ممارساته.
وأخيراً خرجت أنا من الغوطة، وسميرة حوصرت مع المحاصرين، وصارت في يد المتسلطين الجدد،" قلبي عليكي يا سمور".قال لي إن "سوريا متعددة الطوائف والإثنيات، وهي في حاجة إلى الحرية وليست في حاجة الى أنظمة قمعية شبيهة بالنظام الأسدي".
سألته عن الدور الذي يمكن أن يلعبه بعد خروجه من سوريا، فقال لي: أنا لا أطمح لأي دور سياسي، أنا كاتب أحب الكتابة والعمل في الكتابة.
بعد خروجي من السجن كانت أحلامي بسيطة جداً، وهي أن أمتلك بيتاً في سوريا، وأستطيع أن أشتري الكتب من مالي الخاص لأقتني مكتبتي، لأنني في السابق لم أكن قادراً على شراء الكتب فكنت أستعيرها، إلّا أنني اليوم اشتريتها بفضل عملي.
يبدو أنني بعد ما حصل في سوريا، لن أستطيع شراء بيت، لأنني أرفض ان أعمل في مهنة معارض، وأقبض راتباً لقاء ذلك، وانا أصرف على نفسي من كتاباتي ومدخراتي التي حصلت عليها من جائزة كلاوس.
لم أستسلم، وشرحت للأستاذ ياسين حاجة الساحة السورية للأنقياء من أمثاله، وفسّرت له مطوّلاً أنّ الزهد ممنوع عليه، فالعمل السياسي ليس تشريفاً، بل هو تكليف، وثمنه أحياناً حياة الشخص أو سنين طويلة من السجن كما حصل معه.
أن لا يكون صالح في الصفوف الأولى للمعارضة السورية، وأن لا تسعى المعارضة السورية الى التمسك بوجود شخصيات مماثلة بصفوفها، تلك هي الكارثة الحقيقية، ودلالة كبيرة على سقوط القيم والمبادىء. سيسعد النظام السوري مرتين.. مرة لأنّه حاول قتل صالح شخصياً، ومرة لأنّه حاول قتله بيد معارضة لا ترى ضرورة وجود شخصيات على غراره في صفوفها.
سألته بحياء وتردد عن سبب عدم إصطحابه زوجته سميرة معه عندما قرر أن يخرج من سوريا، وما هي ظروف خروجه منها، فقال لي إنّه خرج بعدما اشتد الخطر عليه بضغط من زوجته سميرة الخليل المختطفة مع رزان زيتونة.
" كنا نعتقد أنا وسميرة وأصدقاءنا، إنّ خروجي من الغوطة من المستحيلات وصعب جداً، وخروج سميرة ممكن أن يتأمن من دون صعوبة كبيرة. وكنّا نقدر أنني معرّض للخطر على يد النظام، و"داعش" و"جبهة النصرة" بنسبة عالية. قال بإنفعال، سميرة التي كانت تساند عملي العام دائماً، بدأت لأول مرة تضغط علي بشكل يومي بعد وصولي إلى الرقة لأخرج من البلد".
كيف وصلت إلى الرقة؟
19 يوماً إستغرقت رحلتي للإنتقال من غوطة دمشق الى الرقة، ومن ثم تسللت منها الى خارج سوريا، وقضيت معظمها داخل صناديق السيارات في حر آب، منها 27 كلم خطر، كنت معرضاً فيها لخسارة حياتي في أي لحظة. خرجت من سوريا من دون أي أوراق ثبوتية تثبت شخصيتي، ورحلة الحصول على أوراق ثبوتية حكاية أخرى يجب أن تروى على حدة.
إذ يفترض بالمعارضة السورية وهيئاتها تأسيس مكتب لرعاية شؤون السوريين لإصدار وثائق تسهّل لهم حياتهم عندما يخرجون من الوطن، لأنّ النظام لا يزودنا بجوازات سفر وهو سيجردنا بمرسوم بطاقة الهوية الجديد حتى من جنسيتنا، لنصبح لاجئين بلا هوية تعرّف عنا، بذلك يتخلص من خمسة ملايين سوري غير موالين له بشخطة قلم. والمطلوب من المعارضة عدم التصرف مع السوريين بالمحسوبيات على طريقة النظام.
«جيش الإسلام»
حاول طوال الثلاث ساعات التي التقيته فيها التهرّب من الكلام عن موضوع خطف رزان وزوجته ورفيقيهما بسبب خيبته والألم الشديد، إلّا أنّه عاد ليخبرني "عندي قناعة أنّهم عند الإسلاميين، وأنا خائف على حياتهم، لأنّ المطلوب إسكات كل الأصوات العلمانية خارج الإصطفافات الطائفية في سوريا".
قلت له أن رئيس "المجلس الوطني السوري" جورج صبرا متخوّف من إمكان أن يكون النظام قد تسلل الى مناطق الثورة وخطفهم، أجاب" أنا أتهم "جيش الإسلام" وزعيمه زهران علوش باختطاف سميرة الخليل ورزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي في ليل 9 كانون أول الجاري، أو على الأقل بتسهيل أمر الإختطاف من قبل تابعين لهم.
أولاً، لا يمكن أن يجري شيء في دوما من دون أن يكون لجماعة علوش ضلع به، ولا يمكن لأي تشكيل عسكري آخر أن يتحدّاهم في عقر دراهم، إلّا بغض نظر منهم متفق عليه معهم. لن يقدم أحد على الإعتداء على أربعة أشخاص عُزّل، بينهم سيدتان، إلّا بضوء أخضر من قبل سلطة الأمر الواقع في دوما.
ثانياً، جماعة علوش وعدوا بالتحقيق بعملية الإختطاف، وحتى الساعة لم يعاينوا البيت/ المكتب، الذي يعمل فيه الأربعة، أو يجرون أي نوع من التحقيق.
ثالثاً، سبق لهذا التشكيل العسكري الذي لا يتعاون مع أحد في الغوطة، ويتوقع من الجميع العمل عنده وليس معه، أن هدّد رزان زيتونة قبل شهرين، وأطلقوا النار أمام بيتها بغرض الترويع والتطفيش.
هذه (وغيرها) قرائن ترجّح مسؤولية التشكيل المذكور، الذي لم يقم بعد 8 أيام على جريمة الإختطاف بأي مساعدة للكشف عن ملابسات عملية الخطف.
وبناء عليه، فإنّ هذا التشكيل هو المسؤول عن أمن السكان في دوما، وهو المتهم الأول بالجريمة، أو بالتستر على الجناة،وسأعمل ما أستطيع لتجريم قادته قانونياً.لا يجوز أن يفلت المجرمون من العقاب، سواء كانوا من طرف النظام الأسدي أو أية مجموعات تمارس ممارساته.
وأخيراً خرجت أنا من الغوطة، وسميرة حوصرت مع المحاصرين، وصارت في يد المتسلطين الجدد،" قلبي عليكي يا سمور".قال لي إن "سوريا متعددة الطوائف والإثنيات، وهي في حاجة إلى الحرية وليست في حاجة الى أنظمة قمعية شبيهة بالنظام الأسدي".
سألته عن الدور الذي يمكن أن يلعبه بعد خروجه من سوريا، فقال لي: أنا لا أطمح لأي دور سياسي، أنا كاتب أحب الكتابة والعمل في الكتابة.
بعد خروجي من السجن كانت أحلامي بسيطة جداً، وهي أن أمتلك بيتاً في سوريا، وأستطيع أن أشتري الكتب من مالي الخاص لأقتني مكتبتي، لأنني في السابق لم أكن قادراً على شراء الكتب فكنت أستعيرها، إلّا أنني اليوم اشتريتها بفضل عملي.
يبدو أنني بعد ما حصل في سوريا، لن أستطيع شراء بيت، لأنني أرفض ان أعمل في مهنة معارض، وأقبض راتباً لقاء ذلك، وانا أصرف على نفسي من كتاباتي ومدخراتي التي حصلت عليها من جائزة كلاوس.
لم أستسلم، وشرحت للأستاذ ياسين حاجة الساحة السورية للأنقياء من أمثاله، وفسّرت له مطوّلاً أنّ الزهد ممنوع عليه، فالعمل السياسي ليس تشريفاً، بل هو تكليف، وثمنه أحياناً حياة الشخص أو سنين طويلة من السجن كما حصل معه.
أن لا يكون صالح في الصفوف الأولى للمعارضة السورية، وأن لا تسعى المعارضة السورية الى التمسك بوجود شخصيات مماثلة بصفوفها، تلك هي الكارثة الحقيقية، ودلالة كبيرة على سقوط القيم والمبادىء. سيسعد النظام السوري مرتين.. مرة لأنّه حاول قتل صالح شخصياً، ومرة لأنّه حاول قتله بيد معارضة لا ترى ضرورة وجود شخصيات على غراره في صفوفها.
الأكثر قراءة